رأي

النظام المدني الديموقراطي التعددي محطتنا الأخيرة

حمّور زيادة

يجيب صراع الجيش والدعم السريع على سؤال مهم طالما هرب منه كثيرون، بعضهم بدوافع حسنة، وبعضهم بغير ذلك.

ما هي مطالب وأهداف الثورة؟

لأسباب متفاوتة يغرق كثيرون في تفاصيل قد تكون مهمة، لكنها لا تجيب على السؤال الأساسي. من تلك التفاصيل مثلا تحويل إجابة هذا السؤال لقضية “القصاص للشهداء”. ومنها قضة “حل أو دمج المليشيات”. وشاهدنا في الفترة الانتقالية المغدورة كيف تعملق شعار “معاش الناس” ليصبح هدفاً كلياً للثورة.

وهي تفاصيل تحيلنا للسؤال البديهي: هل لو حققت سلطة ما، أي سلطة، حتى لو عسكرية، هذه الأهداف هل تكون الثورة قد انتصرت؟

الفريق ياسر العطا في تصريحاته الأخيرة قال إن القوات المسلحة تؤمن بتحقيق أهداف ثورة ديمسبر. فهل لو قامت القوات المسلحة بحل أو دمج المليشيات، من دعم سريع وغيرها، هل يعني ذلك أن أهداف الثورة تحققت؟

ماذا لو برز من الجيش قيادات استلمت السلطة وحاسبت كل قتلة المتظاهرين. هل يعني ذلك أن “حق الشهداء” قد تحقق؟

ماذا لو نجحت السلطة الانقلابية في توفير الحياة الكريمة للمواطنين؟ هل يعني ذلك انتفاء الحاجة للثورة؟

في تقديري أن هدف الثورة الأكبر والأهم، والذي ضحّى لأجله الشهداء والمفقودون والسجناء، هو “نظام مدني ديموقراطي تعددي”. تحقيق هذا الهدف يمكن أن يمر عبر تحقيق الأهداف الأخرى، الصغرى مقارنة به، ويمكن أن يكون هو المظلة التي تتحقق تحتها الأهداف الأخرى. لكنه يظل الهدف الأسمى والنهائي؛ فدون الوصول إليه لا يكون لكل الأهداف الأخرى قيمة تذكر.

التخلص من المليشيات المسلحة والتحوّل إلى عملية سياسية مدنية لا يُرفع فيها السلاح ولا يهدد فيها فصيل الآخرين، خطوة مهمة للوصول إلى “نظام مدني ديموقراطي تعددي”. لكن هذا التخلص لا يمكن ولا يصح أن يكون هو الخطوة الأخيرة أو الهدف الذي يجب غيره من الأهداف. وكذلك القصاص للشهداء ومحاكمة قتلتهم. يمكن الوصول إلى القصاص تحت نظام عسكري، لن يرفض أحد محاكمة من قتلوا وأمروا بقتل المتظاهرين؛ لكن تحويل أنظار الناس عن هدف بناء النظام المدني الديموقراطي التعددي لصالح عملية “الثأر” هو إلهاء غير محمود.

تحديد الهدف الأعظم، والمحطة الأخيرة مهم جداً في تقديري، فعليه تنبني عملية تقدير المرحلي والاستراتيجي.

ففي فترة الانتقالية المغدورة كانت هناك فصائل ثورية على استعداد لهدم الانتقال كله لأن “القصاص للشهداء” لم يتحقق، وفصائل صرّحت بنيتها هدم الانتقال لأن “معاش الناس” صار أكثر صعوبة والبنك الدولي تدخل في عملية الإصلاح الاقتصادي.

عدم تحديد الهدف الأعظم جعل الانتقالية عرضة لتنازعات لم تراع هشاشة الوضع والأخطار المحدقة به؛ لذلك كان سهلاً أن ينهار بناء القش الهزيل الذي لم تثبت دعائمه بعد.

لذلك تصبح تصريحات الفريق العطا عن الإيمان بتحقيق أهداف ثورة ديمسبر مجرد مراوغة. فلو كانت القوات المسلحة تؤمن بالنظام المدني الديموقراطي التعددي لما كان الفريق العطا عضواً في مجلس السيادة يحكم البلاد؛ لكنهم – القوات المسلحة وقادتها – يمكن أن يحققوا كل أهداف الثورة إلا ذلك الهدف الأهم الذي نسعى إليه. فدون الوصول إلى هذا الهدف، محطتنا الأخيرة، تفقد كل الأهداف الأخرى معناها وقيمتها.

لهذا يؤمن كاتب هذه السطور بأهمية دعم أي نظام مدني تعددي انتقالي مهما كان هشاً، ومهما كانت نواقصه، لأن الهش يمكن تعزيزه، والناقص يمكن إكماله.
لكن لعل مأساتنا أننا نذهل عن هدفنا الأهم، بحسن نية، أو بغير ذلك.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى