رأي

فرحة لبنان بوقف إطلاق النار… متى يفرح السودانيون؟

حسام بدوي

تتواصل في السودان أعنف حرب يشهدها القرن الحالي وأعنف الحروب على الإطلاق التي شهدها السودان في تاريخه.

خلفت هذه الحرب دمارًا هائلًا على المستوى الإنساني والاقتصادي، وأثّرت بشكل عميق على الشعب السوداني وتسببت في موجات نزوح ولجوء هي الأعلى على المستوى العالمي.

ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة ومنظمات دولية فإن أعداد النازحين داخلياً تجاوز 8.62 مليون شخص حتى نهاية الشهر الماضي، هؤلاء الأشخاص أُجبروا على مغادرة منازلهم بسبب الاشتباكات العنيفة في 184 محلية في ولايات السودان الـ 18. وفر إلى دول الجوار حوالي 3.23 مليون شخص  عبروا الحدود إلى الدول المجاورة مثل تشاد، مصر، وجنوب السودان. حيث تستضيف تشاد العدد الأكبر من اللاجئين بسبب قربها من إقليم دارفور المتضرر بشدة من الصراع.

فيما يعيش الملايين في السودان تحت وطأة الحصار ونقص الغذاء والدواء، في ظل انهيار البنية التحتية للخدمات الأساسية.

أدت الحرب إلى انعدام الأمن الغذائي لنحو 25 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف سكان السودان، بالإضافة إلى انهيار النظام الصحي، حيث توقفت المستشفيات عن العمل في العديد من المناطق بسبب نقص الإمدادات الطبية.

ورغم جهود الوساطة التي تقودها منظمات إقليمية ودولية، بما في ذلك الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، إلا أن الطرفين لم يظهرا استعدادًا حقيقيًا لوقف إطلاق النار.

هذه الأرقام الصادمة حول الوضع الإنساني والإنهيار الكامل في البنى التحيتية للبلاد، لا تلوح في الأفق أي بوادر نحو حل سلمي بل يتجه السودان بعد أكثر من 19 شهر نحو إنسداد أفق الحل السلمي عقب رفض الجيش المشاركة في آخر منبر تفاوضي دعت إليه واشنطن في سويسرا خلال أغسطس الماضي، وربط المشاركة بتطبيق إعلان جدة الموقع بين طرفي الصراع خلال مايو  2023.

الأيام الماضية تبين حالة الإنسداد وتدهور الأوضاع عقب توسع العمليات العسكرية في عدة محاور، وتعالي نبرة العنف وخطاب الكراهية عقب دخول القوات المسلحة إلى مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار.

وفي ذات السياق يواصل الدعم السريع التمدد في عملياته العسكرية، في محاور النيل الأبيض وولايتي شمال دارفور والخرطوم.

ذلك التوسع في العمليات لا يمكن مجابهته إلا بالضعط الدولي على الأطراف المتصارعة، ومحاصرة عمليات تصدير الذهب وحصولهم على الأسلحة والتمويل العسكري، وبالرغم أن تلك المحاولات تضآلت عقب إجهاض مشروع القرار البريطاني من قبل روسيا، إلا إنه من المتوقع أن تسفر جهود كل من المبعوثين، النرويجي والأميركي والبريطاني، الذين سيتوجهون إلى بورتسودان في ديسمبر المقبل والضغط على القوات المسلحة السودانية للانخراط في حوار سياسي وإعطاء الأولوية للحل السلمي. ومع ذلك فإن فعالية هذا الضغط تعتمد على مستوى الإجماع الدولي واستعداد القوى الإقليمية والعالمية لاتخاذ إجراءات حاسمة تجاه طرفي النزاع.

ومع تعقيد ذلك المشهد تنتظر القوى المدنية أدواراً كبيرة لمحاربة خطاب الكراهية ووقف الدعوة للعنف وتجييش المدنيين والزج بهم في أتون حرب لا تعنيهم في شيء. لا يريد السودانيين غير وقف النار والعودة إلى منازلهم وفتح الممرات الأمنة لهم وتقديم المساعدات، وهي المطالب التي تنادي بها القوى المدنية منذ صبيحة 15 أبريل.

شاهدنا كلنا الفرحة التي أجتاحت شعب لبنان عقب إعلان وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ اليوم فجراً بين حزب الله وإسرائيل، وبالرغم من الدمار الذي لحق بلادهم بيد أنهم عبروا عن سعادتهم بالعودة إلى ديارهم، وعودة الحياة المدنية إلى طبيعتها، إن وقف إطلاق النار يعني لهم نهاية الدمار وبداية لحل الخلافات عن طريق الحوار والتفاوض وتبادل الآراء بدلاً عن تبادل القذائف وإطلاق المسيرات.

هذا ما يتطلع له السودانيون ويعمل عليه كل سياسي وطني يعمل على رفعه بلاده وحمايتها من مخاطر التفكك والدمار.

على القوى المدنية أن تعلم إن المجهودات التي تقوم بها والتي تحاصرها خطابات التخوين والتجريم هي الطريق الوحيد نحو إنهاء تلك الكارثة التي حلت بالسودانيين وبلادهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى