عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
“حق المواطن على الدولة أن يكون آمناً على حياته وحريّته وكرامته وكيانه المالي والمعنوي لا يعادله سوى حق الدولة على المواطن في أن يساهم معها في تأمين هذه الحماية له ولأقرانه”. دكتور مصطفى العوجي – من كتابه السياسة الجنائية والتصدّي للجريمة.
تحدثنا كثيراً عن ظاهرة ارتفاع مستوى الجريمة كماً ونوعاً. وظل المواطنون يجأرون بالشكوى من ضعف استجابة الشرطة. في البدء دعونا نتفق أن رضا المواطنين عن الشرطة هو معيار مهم في قياس أداء الشرطة. وكما يقول العلامة سعادة الفريق شرطة دكتور عباس أبوشامة – وزير الداخلية الأسبق 1988م: “إن أحد المعايير العالمية لقياس أداء الشرطة ليس فقط في تأدية واجبها المهني التقليدي، ولكن أيضاً في التوسع في العلاقات الإنسانية مع المواطنين، وهذا ما يقربها أكثر للمواطنين الذين تقوم على خدمتهم، وهناك مقولة مشهورة أن مشروعية عمل الشرطة لا تستمد فقط من القوانين واللوائح، وإنما أهم من ذلك من رضا المواطن عن عملها”. بالتالي على الشرطة أن تسعى لتحقيق ذلك الرضا.
على صعيد آخر، لا بد أن يدرك المواطنون أن التصدي للجريمة والصمود في مواجهتها ليس واجب الشرطة فحسب، فكما تفضل الدكتور مصطفى العوجي، فإن من حق الدولة على المواطن أن يساهم معها في التصدي للجريمة. وهذا عين ما ذهب إليه القانون السوداني في المادة (4) فقرة (أ) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م بقوله: “منع ارتكاب الجريمة واجب على الكافة”، وأبعد من ذلك ألزمت المادة (71) من ذات القانون الجمهور بتقديم المساعدة المعقولة في القبض على أي شخص أو منعه من الهرب متى طلبت الشرطة ذلك. وأتمني في هذا الصدد أن يصبح مشروع الشرطة المجتمعية الوليد مشروعاً قومياً، يحظى بالرعاية والاهتمام والدعم اللازمَيْن من قِبَلِ حكومتنا المدنية القادمة، فهو خير تجسيد لفسلفة وكيفية أن تعمل الشرطة والجمهور مع بعضهما جنباً إلى جنب في مجال منع ارتكاب الجريمة واكتشاف ما قد يقع منها.
في تقرير لمؤشر الجريمة المنظمة العالمي 2021م، تبين أن “أكثر من ثلاثة أرباع سكان العالم يعيشون في بلدان بها مستويات عالية من الإجرام، وفي بلدان لديها قدرة منخفضة على الصمود في مواجهة الجريمة المنظمة”. ووفقاً للنتائج التي توصل إليها المؤشر، فإن الصمود في مواجهة الجريمة لا يتوقف على أداء الشرطة فحسب، وإنما تتدخل عدة عوامل أخرى مثل الوضع السياسي ونظام الحكم، شفافية الحكومة ومساءلتها، التعاون الدولي السياسات والقوانين الوطنية، النظام القضائي، إنفاذ القانون، السلامة الإقليمية، مكافحة غسل الأموال القدرة التنظيمية الاقتصادية، دعم الضحايا والشهود، الوقاية، الجهات الفاعلة غير التابعة للدولة. بالتالي فإن ما تحسبه قصور من الشرطة في التصدي والصمود في مواجهة الجريمة، إنما هو قصور وضعف يعتري كل العوامل المذكورة ودون حدوث تحول وإصلاح حقيقي في كل أجهزة الدولة وفي المجتمع ستظل الشرطة مثل “اليد الواحدة”.
كذلك من بين أهم النتائج التي خلص لها المؤشر أن “البلدان الديمقراطية تمتع بمستويات أعلى من القدرة على الصمود في مواجهة الإجرام مقارنة بالبلدان الاستبدادية”. وهذا ما يجب أن يدفعنا أكثر أتجاه المضي قدماً والإسراع في العملية السياسية الجارية وصولاً إلى فترة انتقالية قصيرة (عامين) تعقبها انتخابات حرة ديمقراطية توفر البيئة الملائمة التي تساعد على زيادة القدرة على الصمود في مواجهة الإجرام.
في تقديري أن الشرطة نشطت بشدة في الآونة الأخيرة في مكافحة الجريمة واكتشاف ما قد يقع منها، والمتابع لأخبار الجريمة دون شك لا بد أنه علم بالمجهودات الكبيرة التي بذلتها الشرطة وتوجت بالقبض على المتهمين في كثير من الجرائم التي أثارت الرأي العام أو في مجال محاربة ومكافحة المخدرات. هذا الجهد يجب أن يقابل بتقدير من المواطنين، وعلينا أن لا ننجرف وراء حالة العداء مع الشرطة. نعم هناك انتهاكات وتجاوزات تقع من الشرطة هنا وهناك يجب أن يخضع مرتكبوها إلى المساءلة والمحاسبة، لكن يجب أن لا يُعمينا ذلك عن الوجه الآخر للشرطة المستجيبة لواجبها في التصدي والصمود في مواجهة الجريمة في ظل إمكانيات مادية ولوجستية ضعيفة.
ولا أجد خاتمة لهذا المقال أبلغ من العبارة الإنجليزية :
“A society which chooses to wage war against its police must first learn to make peace with its Criminals”
“يجب على المجتمع الذي يختار شن الحرب ضد شرطته أن يتعلم أولاً كيف يصنع السلام مع مجرميه”.