تقارير

الإسلاميون و متلازمة “اللا سلمية”

التيار الأصولي يستفز الحركة الجماهيرية ويلجأ للعنف لإلغاء قرارات "التفكيك"

الخرطوم – انتقال

كان أول قرارات قائد الجيش وانقلاب 25 أكتوبر 2021م، هو تعطيل مواد الوثيقة الدستورية لسنة 2019م تعديل 2020م المتعلقةِ بتفكيك نظام 30 يونيو 1989م واسترداد الأموال العامة. وضمن قرارات البرهان لحظةَ تلاوة بيان الاستيلاء عسكرياً على السلطة أصدر قراراً فورياً بتجميد أعمال اللجنة.

واستردت لجنة التفكيك أصولاً عقارية وأموالاً من قادةِ التنظيم الإسلامي وعلى رأسهم الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي وعلي عثمان محمد طه وإبراهيم أحمد عمر وعبد الحليم المتعافي ومدير عام الشرطة الأسبق هاشم عثمان الحسين، وأحمد هارون وحاج ماجد سوار كمثالٍ فقط، على من تم استرداد الأموال المنهوبةِ منهم؛ ولكن يمثل الأمين العام للحركةِ الإسلامية على كرتي أكثرهم عداءً للجنة حيث تم استرداد 99 قطعةً منه في أبريل 2020م بالإضافةِ لتجميدِ حساباتٍ بنكية تتبع له وأصولٍ سجلها بأسماء أقاربهِ.

ظهور “المريض”!!

يقود المتطرفون من منسوبي الحركة الإسلامية، خطاباً لمواجهةِ قوى الثورة والانتقال الديمقراطي عبر جرّ الأوضاع نحو العنف. وتبرز أسماء عددٍ من قادتهِ في تحشيد منسوبيهم وتنفيذ عمليتي اعتداء على دار المحامين الأولى في أغسطس الماضي، في ختام ورشة إعداد مشروع الدستور الانتقالي، ومجدداً عند اتخاذ المحكمة العليا حكماً بإعادة واجهات النظام المخلوع، ومن ضمنها المكتب التنفيذي لاتحاد المحامين المنتهية فترته في 2021م.

في مسيرة سمّاها مؤيدو نظام المؤتمر الوطني المحلول “موكب الكرامة”، في 29 أكتوبر، ظهر رئيس البرلمان الأسبق في عهد البشير إبراهيم أحمد عمر وخاطب مؤيديهم، على الرغم من ادعائهِ المرض عند تقديمهِ في محاكمة مدبري انقلاب 30 يونيو 1989م، وهو أحد الذين طالتهم قرارات لجنة التفكيك ضمن قادة التنظيم.

النيابة والقضائية

وصول لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989م إلى إزالةِ تمكين منسوبي النظام في النيابة والهيئةِ القضائية، عَجّل بانقلاب 25 أكتوبر، حيث طالت قراراتها 17 قاضياً و300 من العاملين في الهيئةِ القضائية، أثبتت المستندات انتماءهم للإخوان المسلمين، وكانوا يعملون على تعطيل العمل القضائي وينفذون أجندة العسكريين، مما جعل المحكمة العليا تُلغي قراراتِ اللجنة في 21 أغسطس 2021م، بإيعازٍ مباشرٍ من العسكر في إطار استهدافِ جيوب النظام المخلوع لأعمالها والحفاظِ على تمكينهم  وهو ما يظهر في إلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام الإنقاذ من قبل الهيئة القضائية والمحكمة العليا.

مقاومة السقوط

تحركت السلطة الانقلابية في إلغاء قراراتِ لجنة تفكيك نظام 30 يونيو عبر المحكمة العليا المتعلقةِ بحل الواجهاتِ النقابية والاتحادات بغرض إرباك الحركة النقابية. ويؤكد المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، علاء الدين نقد، أن قراراتِ المحكمة العليا بهذا الشأن تعتريها أخطاءٌ قانونية منها أن قانون الاتحادات المهنية لسنة 2010م، يُخالف اتفاقيات منظمة العمل الدولية التي صادق عليها السودان في 26 مارس الماضي، والاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين المحلية حال كانت مخالفة لها، وبالتالي هذه القرارات يجب مقاومتها عبر الأجسام المهنية والنقابية والحرفية ومعظم هذه الواجهات النقابية التابعة للنظام المخلوع انتهت فترتها بالأساس.

وأوضح نقد: “الانقلاب أعاد الإسلاميين إلى مؤسساتِ الخدمة المدنية، وهناك معلومات تشير إلى أنهم عادوا لتجنيب الأموال لاستخدامها في أنشطتهم السياسية وتمويل المسيرات التي ينظمونها رغم فشلهم في حشد الشارع الذي يقف ضدهم تماماً ويرفضهم”، مضيفاً: “من المتوقع استمرار إعادة واجهات النظام المخلوع النقابية، وهو ما يتطلب تحركاً من الأجسام النقابية الحقيقية للحفاظ على مكتسباتها التي حققتها الثورة والفترة الانتقالية”.

وأشار نقد إلى أن إعادة هذه الواجهات مقصود بهِ زعزعة العملية السياسية المفضية إلى إنهاء الانقلاب وإسقاط سلطتهِ، لافتاً إلى أن المنتسبين لحزب المؤتمر الوطني المحلول فقدوا الأمل في العودة بأي حال، وهم يسعون لإحداث عنفٍ وفوضى أمنية مثل ما حدث في دار المحامين وفتح مواجهةٍ بين القوات الأمنية والعسكرية وقوى الثورة من جهة وفيما بينها من جهةٍ أخرى. وأضاف: “مشروع الدستور الانتقالي يمثل أساساً مقبولاً لإسقاط الانقلاب، واستهداف اللجنة التسييرية لنقابة المحامين هو رأس جبل الجليد من قبل الإسلاميين المتطرفين الذين يقاومون سقوطهم مجدداً”.

قائد الجناح العسكري

علي كرتي هو أحد قادةِ الإسلاميين الذين شغلوا مواقع تنفيذية في الجناح العسكري للتنظيم، وأشرف على إنشاء الوحدات الجهاديةِ والتشكيلات العسكريةِ للإسلاميين، وكان قائداً للدفاع الشعبي قبل أن يتولى مناصب أخرى منها مقعد وزير الخارجية، وعمل في بدايةِ حياته في سلك المحاماة وارتبط اسمه بتصفيةِ شركة البحر الأحمر للتجارةِ والملاحة في التسعينيات من القرن الماضي، إضافة لسيطرتهِ عبر نفوذه مع رجال أعمالٍ من الإسلاميين على سوق وصناعةِ الأسمنت والأخشاب، وبرز ضمن صفوف  التنظيم بعد المفاصلةِ الشهيرة بينهم في سنةِ 2000م، وحظي بتأييدٍ ودعم من الرئيس المخلوع عمر البشير.

عنف الإسلاميين

التيار الأصولي في الحركة الإسلامية يسعى إلى جر المقاومةِ السلمية إلى العنف من خلال استفزاز الحركة الجماهيريةِ عبر طرقٍ مختلفة، وما يحدث من ارتداد عن قرارات لجنة التفكيك هو أحد مخرجات اجتماع علي كرتي مع الإسلاميين وممثلي السلطة الانقلابية في اجتماعهم الشهير بضاحية العيلفون، باسترداد أموال وممتلكات الحركة الإسلامية. وأكد المتحدث باسم قوى الحرية والتغيير، شهاب إبراهيم الطيب، أن هدف الإسلاميين من ذلك هو قطع الطريق أمام اسقاط الانقلاب الذي أعاد لهم الأموال والممتلكات التي تحصلوا عليها من الشعب السوداني، ويريدون قطع أي إمكانيةٍ لحل سياسي يُنهي الانقلاب، وأضاف: “يعلمون تماماً أن مستقبلهم السياسي قد انتهى تماماً، وأن قائد الجيش ماضٍ للتخلي عنهم تحت ضغط الحركة الجماهيرية”، مشيراً إلى أن العنف هو أحد وسائل الإسلاميين في التخريب السياسي والاجتماعي، وأن خروجهم في مسيرات من فترةٍ لأخرى الهدف منه استفزاز الشارع للدخول في مواجهاتٍ مفتوحة تجعلهم يحققون أهدافهم.

وأوضح شهاب إبراهيم أن استهداف الإسلاميين للجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين وإلغاء قرارات لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989م، لأن مشروع الدستور الانتقالي وضع الحصان أمام العربة لإنهاء الانقلاب عبر تأسيس دستوري جديد يلبي تطلعات السودانيين في الحرية والديمقراطية والعدالة وتحقيق السلام.

أملاك علي كرتي

امتلك علي كرتي عبر نفوذهِ أراضي ومشاريع زراعية من ضمنها مشروع “الحديب الزراعي” بولاية النيل الأبيض وتم استرداده في 2021م، وإلغاء عقد مشروع الحديب بمحلية الجبلين، والذي تم فيه توقيع عقد شراكة ركاز العالمية للاستثمار المحدودة بمساحة 2000 فدان، وكان العقد وقع في أبريل2017م، بين ما يسمى بلجنة مزارعي جمعية مشروع الحديب وهم مجموعة من المنتسبين للنظام البائد بتكوين لجنة على رئاستها أمين الاتصال التنظيمي بمحلية الجبلين. ووفقاً لحيثياتِ لجنة التفكيك لم يكونوا يمتلكون أي مساحات زراعية بالأساس، ووقعوا عقداً مع علي كرتي عبر شركة ركائز لمدة 25 سنة.

الجناح العسكري للإسلاميين

قرارات لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989م واسترداد الأموال العامة، شملت جميع قادة التنظيم المرتبطين بجناحهِ العسكري وتشكيلاتهِ الأمنية وعلى رأسهم حاج ماجد سوار الذي كان من ضمن قادة ما عَرف بالدفاع الشعبي والمجاهدين، وكذلك أحمد هارون الذي كان ضمن ذات التشكيل العسكري، وقاد العمليات العسكرية في يونيو 2011م، بولاية جنوب كردفان ضد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتمكنت اللجنة في 2021 من استرداد أصولٍ وعقاراتٍ وأراضٍ منهم.

علي عثمان – وكالات

آلاف الأصول المُستردة

   بلغت جملة الأراضي المستردة (2376) فدان بولاية النيل الأبيض، تم الاستيلاء عليها باستغلال النفوذ والسلطات. وشمل القرار استرداد 500 فدان بـ”ود الزاكي” من إبراهيم أحمد عمر رئيس البرلمان بالنظام البائد، و150 فداناً بـ”عد الشيخ علي” من علي عثمان محمد طه، و100 فدان بـ”الشيخ الحسين”من أحمد محمد هارون، و150 فداناً بـ”العشير وأم كريشة” من محمد حسن الأمين، نائب رئيس المجلس الوطني ومحامي المخلوع، كما شمل القرار استرداد 50 فداناً من هاشم عثمان الحسين مدير عام قوات الشرطة الأسبق، ومحمد عطا المولى عباس 32 فداناً بـ”الشيخ الحسين”، إبراهيم عمر الأغا الخواض، مدير مكتب نائب رئيس المخلوع علي عثمان، 45 فداناً بـ”العشير وعد الشيخ”، حاج ماجد سوار 25 فداناً بـ”ود بلال” وشقيقه حافظ محمد سوار 50 فداناً بـ”العشير”، عيسى بشرى والي أسبق ووزير دولة بالنظام البائد 30 فداناً بـ”ود بلال”، و50 فداناً من أحمد خميس بخيت – والٍ سابق – ومحمد نور الله التجاني، والي سابق 50 فداناً، ومحمد الخنجر الطيب، عضو المجلس الأربعيني لنظام الإنقاذ 60 فداناً “عد الشيخ”، فيصل حماد عبد الله محمد، وزير التخطيط السابق بالولاية 50 فداناً بـ”الشيخ الحسين”، حافظ عطا المنان طه، وزير المالية الأسبق 50 فداناً بـ”العشير”، الشاذلي عيسى حمد معتمد سابق بالولاية 25 فداناً بـ”أم كريشة”. ونص القرار أن يعاد سجل الأراضي باسم حكومة السودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى