انتقال : حسام الدين عبدالوهاب
قرار سلطة الأمر الواقع الناتجة عن انقلاب 25 أكتوبر والتي ظل على رأسها عقب 15 أبريل الماضي القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان بإنهاء تفويض البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان ” يونتامس” وإلغاء اتفاقية المقر المبرمة حكومة السودان في يوليو 2021 للبعثة السياسية ، وطلب ذلك من الأمم المتحدة في رسالةٍ موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريس لم يكن قراراً عمل عليه العسكريون وحزب المؤتمر الوطني المحلول والإسلاميين بعد الحرب ، بل تم العمل عليه منذ بداية تعيين البعثة الأممية ذلك أن عمل البعثة لدعم الانتقال في البلاد ودعم الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي للمرحلة الانتقالية سيكون عكس مصالح الإسلاميين في العودة إلى السلطة وينهي رغباتهم في تقويض الانتقال عبر الانقلاب عسكرياً وهو ماحدث لاحقاً في 25 أكتوبر 2021 .
حرب منذ اليوم الأول
منذ اليوم الأول واجهت ” يونتامس ” حرباً من النظام البائد ومن خلال العسكريين المنتمين لها ، حيث اعترض العسكريون عبر قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي على طلب رئيس مجلس الوزراء الانتقالي السابق عبدالله حمدوك تعيين البعثة وإرسالهِ خطاباً للأمم المتحدة بهذا الشأن ، على الرغم من أن البعثة الأممية كانت ضمن سياساتِ السودان لإستعادة مكانهِ في المجتمع الدولي والمنظومة الأممية بعد عزلةٍ طويلة تسبب فيها الإسلاميون منذ العام 1989 ، وتمهيدٌ لإزالة اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب .
العسكريون
اعتراض العسكريون بُني على حجةٍ هي أن مخاطبة الأمم المتحدة شأن سيادي لا علاقة لمجلس الوزراء به ، وفي جلسةٍ عاصفة بحضور عبدالله حمدوك لمجلس الأمن والدفاع في 2020 تم النقاش بين أعضاء مجلس السيادة من المدنيين والعسكريين ورئيس مجلس الوزراء وأعضاء مجلس الأمن والدفاع حول ملف البعثة الأممية ، دعم الشق المدني في مجلس السيادة موقف رئيس مجلس الوزراء وتم الاتفاق على إعادة إرسالٍ خطابٍ جديد فقط والتأكيد على خطوة حمدوك ، استشعر الإسلاميون وواجهاتهم من العسكريين في مجلس السيادة الانتقالي خطر البعثة بالنسبة لهم ، لذلك أصروا على أن يتولى أحد أعضاء المجلس من العسكريين الذين ينتمون إليهم ملف البعثة الأممية وتم تعيين الفريق إبراهيم جابر مشرفاً على الملف وقتها إضافة إلى سفيرٍ مُعين من قبل مجلس الوزراء الانتقالي .
إرهاب البرهان
عرف الإسلاميون خطورة عمل البعثة بالنسبةِ لهم وقاموا على الدوام بإرهاب رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان وطالبوه بالسيطرةِ عليها مراراً وأنهم يعملون على الترتيبِ للإنقلاب على الفترة الانتقالية عاجلاً أم آجلاً ، ووجه الإسلاميون غرفهم الإعلامية علاوةً على تعطيل أعمالها من قبل الشق العسكري على فتراتٍ متقاربة ومتباعدة خلال الفترة الانتقالية المنقلب عليها .
في 3 يونيو 2020 صادق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار 2524 والذي نشأت عملياً بموجبه بعثة الأمم المتحدة لدعم الفترة الانتقالية في السودان والتي سُميت اختصاراً ” يونتامس ” بتفويضٍ سياسي تختص بتقديم الدعم للسودان في الفترة الانتقالية وصولاً إلى حكم ديمقراطي مدني ،وتم التمديد لها لمدةِ 12 شهراً حتى 3 يونيو 2022 ومن ثم التمديد مجدداً حتى 2023 وفق القرار 2636.
تهديدات مستمرة
قامت البعثة بأدوارٍ مهمة لدعم الانتقال في السودان ، منذ بدء مهامها وحتى انقلاب 25 أكتوبر وهو ماجعل البعثة هدف مستمر لهجوم الإسلاميين ، وذلك لموقفها الداعم للانتقال وتبنيها حواراً وتفاوضاً أنتج العملية السياسية والاتفاق السياسي الإطاري والذي تم توقيعه في 5 ديسمبر 2022، وعقب الانقلاب مباشرةً ومنذ نوفمبر 2021 بدأ الإسلاميون في تسيير مسيراتٍ بصورةٍ منتظمة إلى مقر البعثة الأممية ” يونتامس ” تحت اشرافٍ ودعم من القائد العام للقوات المسلحة مباشرةً والفريق إبراهيم جابر ،وتهديد عمل البعثة واطلاق تهديداتٍ لرئيس البعثة فولكر بيترس بإغتيالهِ و ” قطع رأسه ” من قبل أحد الإسلاميين ، وامتد ذلك إلى إعلان ذلك رسمياً في إحدى فعاليات ” نداء أهل السودان” برئاسة الشيخ الطيب الجد وهي كتلةٌ قوامها الإسلاميون وجدت دعماً كامل من قائد القوات المسلحة حيث طلب أحد المتداخلين إصدار فتوى بذلك . .
الإسلاميون والبرهان
ظل ما يعرف التيار الإسلامي العريض وهو أحد واجهات الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني المحلول ينظم مسيراتٍ مستمرة إلى مقر البعثة والمطالبة بطردها ، وانهاء عملها وبالفعل هدد القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة عقب انقلاب 25 أكتوبر عبدالفتاح البرهان ، بطرد فولكر بيترس بعد مواقف البعثة الداعمة للانتقال ورفض استمرار الانقلاب العسكري ، وانهاء عملها وهو مايتطابق مع مواقف الإسلاميين تماماً .
وعقب اندلاع حرب 15 أبريل ، كرر الإسلاميون ذات المطالب ، ماجعل البرهان يطلب في مايو 2023 استبدال رئيس البعثة الأممية فولكر بيترس عقب تقديمه تقريراً لمجلس الأمن عن الحرب الجارية في السودان ، ولاحقاً في منتصف سبتمر الماضي طلب فولكر بيترس من الأمين العام للأمم المتحدة اعفائه من منصبه بعد عامين ونصف قضاها في البعثة .
فتوى لإغتيال فولكر
في 10 أبريل الماضي وفي ندوةٍ لنداء أهل السودان تحت عنوان ” الاتفاق السياسي الإطاري وتأثيراته على السودان ” تحدث فيها أحد وزراء حكومات النظام البائد وهو بحر إدريس أبو قردة والناظر محمد الأمين ترك ، تداخل أحد الإسلاميين المنتمين لهذه الكتلة وحزب المؤتمر الوطني المحلول طالباً إصدار فتوى لإغتيال رئيس البعثة الأممية فولكر بيترس نصرةً للإسلام – بحسب قوله – هذه الفتوى لم تجد رفضاً من الكتلة وقياداتها وكانت تعبر عن موقف الإسلاميين من ” يونتامس ” والذي ظل يتبناه المنتمون لهم من العسكريين وعلى رأسهم الفريق إبراهيم جابر وتحت إشراف كاملٍ من قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان .
بدون علم البرهان
ظلت وزارة الخارجية وعقب اندلاع حرب 15 أبريل ترسل خطاباتٍ دورية للأمم المتحدة لإنهاء تفويضها وعملها ، ووفق معلوماتٍ تحصلت عليها ” انتقال ” من مصادر عسكرية فإن هذه الخطابات ظلت تُرسل بدون علم القائد العام للقوات المسلحة ـ
و بحسب مراقبين فإنه بناءً على مجرياتِ الأحداث وسياقها ، فإن عدم اعتراض القائد العام للقوات المسلحة على هذه الخطوات التي يعمل عليها الإسلاميون عبر وزير الخارجية المكلف علي الصادق يعني موافقته الكاملة عليه وأنه يتبنى الموقف كلياً وذلك تؤكدة تسلسل الأحداث والخطوات التي سارت حتى إصدار القرار الأخير .