الخرطوم – انتقال
عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021، ازداد نشاط المجموعات المسلحة ذات التكوين المناطقي والإثني في عدة مناطق بالبلاد، خاصة ولايات شرق السودان ونهر النيل والجزيرة وشمال وغرب وجنوب كردفان. واعتمدت تلك المجموعات المسلحة على التجييش المناطقي والقبلي في تكوينها بشكل كبير ومنح رتب عسكرية والحصول على أزياء عسكرية. وأيضاً تمتلك تلك القوات معدات وأسلحة خفيفة ومتوسطة وعربات دفع رباعي، وتخرج دفعات وتنظم حشوداً وتجري مخاطبات داخل المدن والقرى، على الرغم من أن القانون الجنائي لسنة 1991م وتعديلاته، يمنع ذلك ويجرمه، إضافة إلى قانون القوات المسلحة.
المتطرفون الإسلاميون
منذ أحداث قوات هيئة العمليات – يناير 2020 – التي كانت تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني في عهد النظام المخلوع، وقرار حلها بعد تحويل مهام واختصاصات مهام الجهاز إلى جمع المعلومات والعمل الأمني والاستخباري ذي الطبيعة المعلوماتية، وتغيير اسمه إلى جهاز المخابرات العامة؛ منذ ذلك الحين؛ بدأت أصوات من منسوبي نظام المؤتمر الوطني المحلول خاصة ما يسمى قوات الدفاع الشعبي والأمن الشعبي وهيئة العمليات وآخرين من المتطرفين الإسلاميين؛ الدعوة إلى العمل المسلح والعنف باستخدام السلاح وتحريك خلاياهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية لإحداث فوضى أمنية من خلال العمل على إشعال النزاعات المسلحة في شرق السودان ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان على مدى ثلاث سنوات. أحد هذه الأصوات والناشطين في هذا الخطاب المنتمين للنظام المخلوع وتشكيلات الإسلاميين العسكرية هو “عبد المنعم الربيع”، المقيم في المملكة المتحدة، بمدينة بيرمنغاهم حيث طلب اللجوء السياسي قبل عدة سنوات .
دعوات العسكرة والتجييش
عضو المجلس السيادة الانتقالي السابق محمد الفكي سليمان، ذكر في تصريحات في منصة طيبة برس “حوار حول العملية السياسية”، في السادس من فبراير الجاري، أن حل أزمات السودان لا بد أن يكون عبر الأجسام والكيانات المدنية، وأدوات العمل السياسي السلمي. وحذر الفكي من الدعوة لتجييش أبناء البلاد عسكرياً، وقال إن ذلك يعرض البلاد للخطر وحصول حربٍ أهلية طويلة الأمد، وأضاف: “الدعوة للعكسرة والتجييش الذي يتم تحت مرأى الأجهزة الأمنية والعسكرية تعد خطراً ومهدداً كبيراً، كنت في جولة بولاية الجزيرة خلال الفترة الماضية وتحدث إليّ العديد من الناس عن دعوات وصلتهم من مجموعات للانضمام إلى قوات عسكرية غير نظامية، تحت دعوات مثل التهميش والدخول في صدامات مسلحة”. وحمّل الفكي الأجهزة الأمنية والعسكرية مسؤولية ما يحدث من تجييش وعد صمتها مباركة لها وهي تتبنى خطاباً عنصرياً وإثنياً .
عبد المنعم الربيع
هو أحد المنتمين لنظام الإنقاذ والحركة الإسلامية والمؤتمر الشعبي الوطني الإسلامي قبل المفاصلة سنة 1999م، وبعد انشقاق الإسلاميين تحول إلى صفوف حزب المؤتمر الشعبي تحت قيادة حسن الترابي، وكان من ضمن كتائب الأمن الطلابي التي تمارس العنف ضد التنظيمات السياسية المعارضة لنظامه، وكان مقاتلاً ضمن صفوف ما تسمى كتائب المجاهدين التي خاضت الحرب في الجنوب، بحسب مصادر تحدثت لـ”انتقال”.
وتخرج الربيع في جامعة وادي النيل من كلية الشريعة والقانون، ومنذ سقوط نظام المخلوع المؤتمر الوطني المحلول اتخذ موقفاً مناوئاً للتغيير وقاد خطاباً متطرفاً في مواقع التواصل الاجتماعي، مطالباً الجيش والمنظومة العسكرية والأمنية بالانقلاب على الحكومة الانتقالية. وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية تسجيلات صوتية له وهو يرتب مع مجموعات من منسوبي النظام المخلوع لإحداث فوضى أمنية وحرق مقار أحزاب قوى الحرية والتغيير واستهداف قياداتها وعضويتها، خاصة البارزين منهم، وتوفيره تمويلاً مالياً لذلك، وهو يعد أبرز الداعمين للمجموعات العسكرية التي تشكلت مؤخراً، ومنها ما يسمى درع السودان ودرع الشمال.
وبحسب مصادر وفرت معلومات لـ “انتقال”، فإن عبد المنعم الربيع ينشط في غرف إعلامية ومجموعات تنسيق توفر الدعم لهذه المجموعات العسكرية إلى جانب كل من الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي وأنس عمر وشهاب برج، الذي كان أسيراً لدى قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان حتى سنة 2017م. وشارك عبد المنعم الربيع في العمليات العسكرية لنظام الإنقاذ إلى جانب مجموعات من المقاتلين، من ضمنهم قائد ما يسمى قوات درع السودان “أبوعاقلة كيكل”، الذي كان مقاتلاً في صفوف الدفاع الشعبي منذ 1997 وحتى 2011م، فضلاً عن وجوده ضمن منظومة الحزب المخلوع بولاية الجزيرة .
عبد الحي يوسف والطاهر التوم
توفير الدعم الإعلامي عبر منصات مختلفة هو ما تعتمد عليه هذه المجموعات العسكرية. وذكرت مصادر لـ”انتقال”، أن قناة طيبة المملوكة لرجل الدين الهارب عبد الحي يوسف وفرت مجموعة من مصورين وتقنيين وصحفيين كانوا يعملون بها للقيام بدور التوجيه الإعلامي والعمل على منصات مواقع التواصل الاجتماعي، ويتولى دور التنسيق أيضاً مدير قناة سودانية 24 السابق “الطاهر حسن التوم” المطلوب في قضايا فساد، والهارب من الملاحقة القانونية ليصبح متنقلاً بين كل من تركيا وجمهورية مصر العربية، ويعمل معه آخرون من ما يسمى منبر البطانة الحر عبر شبكة منصات إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إلكترونية منها “المرصد السوداني” على سبيل المثال.
وتواصل المصادر: “وفرت هذه المجموعة السند الإعلامي والخطاب السياسي لما يسمى قوات درع السودان طيلة الفترة الماضية، وأشرف على التنسيق حتى فيما يتعلق بتصميم الخطاب الإعلامي والسياسي لها وقائده أبوعاقلة كيكل”.
التأسيس في نوفمبر الماضي
تأسست المجموعة المسلحة المسماة “قوات درع السودان” في نوفمبر 2022 تحت غطاءٍ من جسم منبر البطانة الحر، وهو جسم يعرف نفسه بأنه مطلبي وشارك بعض منسوبيه مع المجلس الأعلى لنظارات البجا في سبتمبر – أكتوبر 2021م، في إغلاق الطريق القومي بشرق السودان وميناء بورتسودان والمشاركة في اعتصام القصر الجمهوري تحت رعاية من قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع الذي مهد للانقلاب على الحكومة الانتقالية. ويضم منبر البطانة الحر في عضويته أسماء معروفة بارتباطها بالنظام المخلوع والإسلاميين المتطرفين والمنتسبين إلى الحركة الإسلامية. تشكلت مجموعة “درع السودان” تحت رئاسة “أبوعاقلة كيكل”، الذي منح نفسه مباشرة رتبة فريق أول. وتنشط هذه المجموعات المسلحة في كلٍ من ولايات القضارف والجزيرة في محليات البطانة ورفاعة، وسبق أن أعلنت عن حشد جماهيري في مدينة رفاعة ووجدت رفضاً من سكان المنطقة ولجان المقاومة والقوى المدنية والسياسية والمجتمعية.
خطاب موجه
ومنذ يناير الماضي بدأت هذه المجموعة المسلحة بث خطاب موجه يتحدث عن دعم القوات المسلحة وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان بشكل مباشر. وذكر “أبوعاقلة كيكل” في تصريحٍ صحفي لصحيفة الحراك السياسي بتاريخ 17 يناير الماضي، أنه لا يؤمن بأي قوات غير القوات المسلحة وأنهم لن يضعوا السلاح إلا بدمج قوات الدعم السريع وهو ذات الخطاب الذي تتبناه قيادات الجيش في إطار خلافات مكتومة بينها وقائد الدعم السريع.
وتنسق مجموعة قوات درع السودان مع مجموعة أخرى أسسها الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد تحت اسم “كيان الوطن”، وجرى إلقاء القبض عليه، ولكن في قضيةٍ أخرى تتعلق بمطالباتٍ مالية عجز عن الإيفاء بها، وتضم مجموعته مقاتلين منتسبين للإسلاميين في كل من ولايات الشمال والوسط (الخرطوم، الشمالية، نهر النيل، النيل الأبيض، شمال وجنوب وغرب كردفان، الجزيرة وسنار) – كما زعم – إضافة لمجموعة أخرى هي مجموعة درع الشمال التي اندمجت معه وبدأت في تجييش منسوبي النظام المخلوع في عدد من مناطق ولايتي الشمال ونهر النيل .
منع قيام المخاطبة
ومنعت الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد قرار لجنة أمن ولاية الخرطوم قيام الحشد العسكري ومخاطبة قائد ما يسمى “درع السودان” في منطقة حطاب، وتم تفريق جمعهم دون مواجهة. وخاطب قائد القوة الشرطية، “أبوعاقلة كيكيل” أن الأمر غير قانوني، واعتلى سيارة لمدة عشر دقائق خطاب منها ما لا يزيد عن 300 شخص، وأشار إلى أنهم سينظمون مخاطبات وسط العاصمة الخرطوم الفترة المقبلة واعترض على عدم معاملتهم مثل الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا والسماح لهم بالعمل والنشاط الجماهيري.
رفض نظارة البطاحين
الحشد الجماهيري الذي دعت له ما يسمى قوات درع السودان بمنطقة حطاب بمنطقة شرق النيل، وتم منعه من لجنة أمن ولاية الخرطوم، رفضته نظارة قبيلة البطاحين الممتدة في ولاية الخرطوم، ووصف ناظرها محمد المنتصر خالد طلحة الدعوة بأنها أتت مجافية لكل أعراف وأخلاقيات وتراث القبائل متجاوزة قيادة القبيلة المشهود لها بالاستقامة ومعالجة قضاياها وقضايا الآخرين بالحكمة والعقل وبما يحافظ على السلم الأهلي والمجتمعي.
وأكد الناظر محمد المنتصر في بيانه عدم التسامح مطلقاً مع تحويل مناطقهم إلى ساحات حرب، تعج بالسلاح وتفقد أمنها.
وأضاف: “سنقف بكل قوة ضد تكوين المليشيات خارج نطاق القانون في مناطقنا الآمنة، ونوجه من أراد التدريب العسكري، من أبنائنا، بالالتحاق بأجهزة الدولة الرسمية كالشرطة والقوات المسلحة والأجهزة العسكرية الرسمية الأخرى.”