تقارير

ورشتا سلام جوبا.. إعادة تموضع للحركات وأهداف مختلفة

حكومة الجنوب مضت في عقد ورشة السلام بجوبا دون مشاركة أصحاب المصلحة

تحليل – انتقال

عقب انعقاد ورشة خارطة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989، وهي الورشة الأولى في المرحلة النهائية من العملية السياسية، أعلنت قوى الحرية والتغيير، عزمها التوجه إلى عدد من العواصم العربية ودول الجوار بغرض التنوير بالتطورات السياسية في البلاد، وحشد الدعم الدولي.

كانت العاصمة جوبا أولى المحطات الدولية في تلك الجولة وآخرها. وقالت قوى الحرية والتغيير حينئذ إنها تبتدر جولتها بجوبا لأهميتها السياسية والاستراتيجية والروابط التاريخية بين البلدين، إضافة إلى أن دولة جنوب السودان هي الراعي للمفاوضات التي أفضت لتوقيع حكومة الفترة الانتقالية السابقة لاتفاق السلام مع فصائل الجبهة الثورية المسلحة، ما أفضى إلى ما يعرف باتفاق سلام جوبا.

عقد الوفد مباحثات مهمة مع المستشار توت قلواك مستشار الشؤون الأمنية لرئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، قبل أن يلتقيهم الأخير في اجتماع مطول.

يقول مصدر لـ”انتقال”، إن الوفد ناقش مع الرئيس سلفاكير التطورات السياسية المرتبطة بانقلاب 25 أكتوبر، والعقبات التي صاحبت تنفيذ اتفاق السلام، إضافة إلى النقاش في تنفيذ مسارات الاتفاق ومن بينها مساري دارفور وشرق السودان. وفي هذا الصدد أوضح الوفد أنهم بصدد الانخراط في ورشة تقييم اتفاق السلام، وورشة شرق السودان، واللتين تعتبران من ضمن القضايا الخمس التي نص عليها الاتفاق الإطاري.

ويضيف المصدر: “طلب الرئيس سلفاكير من الوفد عقد ورشة السلام في العاصمة جوبا، لكونها رعت وضمنت الاتفاق، بيد أن النقاشات في هذا الصدد لم تمض قدماً بين الطرفين، وأصرت قوى الحرية والتغيير على عقد الورشتين في العاصمة الخرطوم، لكونهما قضيتين مهمتين، واجب إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين في نقاشاتها”.

نقاش مستفيض

انعقدت الورشتان المتعلقتان بقضية السلام وشرق السودان، والتي شارك فيها أصحاب المصلحة من النازحين واللاجئين من الأقاليم، والتي شهدت نزاعاً مسلحاً في الماضي، إضافة إلى رجالات الإدارات الأهلية والطرق الصوفية والمكونات المحلية من شرق السودان.

بلغت التوصيات التي خرجت بها الورشتان ما يقارب المائتي توصية، انصبت كلها على القضايا المتعلقة بالتنمية وإعادة النازحين إلى قراهم، والاستقرار السياسي ومحاربة خطاب الكراهية. جاءت تلك التوصيات بانفعالات حقيقية من أصحاب المصلحة لكون مصالحهم مجردة من المكاسب السياسية المرتبطة بجهاز الحكم وعبرت عن واقعهم المعاش.

وعلى الرغم من أن تلك التوصيات تضمنت أجندة واقعية مرتبطة بقضية بند الترتيبات الأمنية والدستورية، تكفي لأن تكون موجهاً للحكومة المدنية المرتقب تشكيلها في الفترة المقبلة؛ إلا أن حكومة جنوب السودان مضت في خطتها في عقد الورشة المرتبطة بقضية السلام، لكن هذه المرة دون مشاركة أصحاب المصلحة من الأرض وقوى الحرية والتغيير والقوى الداعمة للانتقال.

مشاركة حكومية

بدأت فعاليات ورشة جوبا بمشاركة جميع الأطراف السياسية التي وقعت على اتفاق السلام: الحركات المسلحة التي أيدت الانقلاب، والأخرى التي أدانته وتمسكت بمكاسبها السيادية والتنفيذية من الاتفاق، إلى جانب مشاركة قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وكل من الفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق أول ياسر العطا، لكن الوفد الحكومي كان ناقصاً إذ تغيّب عنه من وقع على مسودة الاتفاق باسم حكومة السودان آنذاك الفريق أول محمد حمدان حميدتي.

تمخضت الورشة في إعلان لجنة الوساطة من دولة جنوب السودان وضع مصفوفة محدثة لاتفاقية جوبا لسلام السودان بعد مداولات للجان الفنيّة لأطراف السلام والحكومة، استمرت خمسة أيام.

وقال رئيس فريق الوساطة الجنوبية، توت قلواك، في تصريحات صحافية، إن الهدف من الورشة وضع جداول زمنية تعين على رفع مستوى التنفيذ، وليس مراجعة أو تعديل الاتفاق.

ومن جهتها، رحبت الآلية الثلاثية، المكونة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة التنمية الحكومية “إيقاد”، بورشة (جوبا)، موضحة أنها تكمل المؤتمر حول قضايا السلام، ضمن العملية السياسية التي أطلقتها الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري. وقالت في بيان إن الورشة التي عقدت بالخرطوم أتاحت فرصة لمشاركة 700 من الرجال النساء لمناقشة أسباب الصراع في مناطق النزاعات.

إعادة اصطفاف

إصرار القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري على عقد الورشتين في الخرطوم، إلى جانب إصرار حكومة جنوب السودان على استضافة ورشة مماثلة تضم حكومة الأمر الواقع بقيادة قائد الجيش والحركات المسلحة التي وقعت على الاتفاق الإطاري والأخرى التي رفضت التوقيع عليه؛ يوضح شكل الاصطفاف الجديد، وإعادة التموضع لكل الأطراف في الحكومة المدنية المقبلة.

فالقوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مضت إلى تنفيذ تصورها للورشتين المدرج ضمن الاتفاق بإشراك أكبر عدد متاح من أصحاب المصلحة فيهما، إلى جانب مشاركة ثلاث حركات مسلحة وقعت على الاتفاق بزعامة الهادي إدريس، والطاهر حجر، والحركة الشعبية بقيادة ياسر عرمان، وحظيت ببيان دعم من قائد قوات الدعم السريع.

فيما توجه جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي تتبعهم بقية أطراف السلام إلى جوبا قبل أن يلحق بهم الفريق عبد الفتاح البرهان.

رؤية واحدة وأهداف متعددة

كل الأطراف تتفق على أن سلام جوبا من أهم الأولوليات التي يجب على الحكومة تنفيذها لكونها ترتبط بقضية الاستقرار الأمني، وما ينعكس عليه في عملية الترتيبات الأمنية المضية إلى الجيش المهني الواحد، وإنهاء جميع أشكال الوجود العسكري خارج مؤسسة الجيش.

لكن الأهداف تختلف؛ فالحركات المسلحة التي دعمت انقلاب 25 أكتوبر “جبريل، مناوي” تسعى للالتفاف على الواقع السياسي التي دعمته وساندته، مع المحافظة على المكاسب التي جنتها طوال العام السابق، مع الحفاظ على حلفها مع قيادة الجيش، وتقوية موقفه سياسياً في الحكومة المقبلة.

فيما يسعى الجانب الآخر إلى تحقيق وضع سياسي جديد يعيد تشكيل خارطة الطريق ويخلق أجواء أفضل تساعد في تنفيذ اتفاق السلام الذي واجهته العديد من العقبات المرتبطة بالتعهدات المالية الدولية، وبند الترتيبات الأمنية، وعقبة الانقلاب ذاته الذي أعاق مسار تنفيذه.

غير أن واقع إلحاق “جبريل، مناوي” بالاتفاق الإطاري، وتعنت الأخيرين واشتراطهما ضرورة إشراك قوى سياسية مختلف حولها قبل التوقيع، يوحي بأن الأهداف غير المعلنة لورشة جوبا هي لضمان الوجود داخل مؤسسات الحكومة المقبلة وفق معطى لا يقوم على الاتفاق الإطاري إنما يقوم على اتفاق السلام وحسب، ويتضح ذلك من إصدار مصفوفة وضعت جداول زمنية تعين على رفع مستوى التنفيذ، وليس مراجعة أو تعديل الاتفاق. وعدم تعديل الاتفاق يعني أن جميع الأطراف ستكون موجودة داخل الجهازين السيادي والتنفيذي وفقاً لنصوصه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى