الخرطوم – انتقال – حسام عبدالوهاب
في ديسمبر 2018 تولى تجمع المهنيين السودانيين قيادة الحراك الجماهيري والعمل الميداني وطرح المواقف السياسية والتنسيق مع الأحزاب السياسية في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير ولجان الأحياء والمقاومة ولعب دوراً رئيسياً حتى الوصول إلى اسقاط نظام البشير ،تجربة تجمع المهنيين السودانيين هي امتدادٌ للتحالفات النقابية في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 ودورها الفاعل في التغيير السياسي واستعادة الديمقراطيةِ.
سيطرة الإسلاميين
خلال فترةِ حكم الإنقاذ سيطر الإسلاميون بشكل كامل على النقابات بعد حل التي كانت قائمة قبل 1989م، ومنع قيام النقابات المنتخبة من القواعد المهنيةِ والعمالية التي تمثلها وحصر ذلك على منسوبيه، الأمر الذي دعا النقابيين إلى بناء أجسامٍ مهنية ونقابية وحرفية موازية مستقلةٍ تعبر عنهم رغم ملاحقاتِ الأجهزة الأمنية.
عدم الإعتراف بنقابات الإنقاذ
خلال فترةِ الإنقاذ قامت أجسام نقابية ومهنية شكلت تحالفاتٍ مستمرة على مدى ثلاثةِ عقود ، بدءً من التحالف الديمقراطي للمحامين ولجنة المعلمين السودانيين ونقابة أطباء السودان الشرعية ولجنة أطباء السودان المركزية وشبكة الصحفيين السودانيين وتجمع أساتذة الجامعات كنموذجٍ للأجسام النقابية والمهنية .
أتفقت هذه الأجسام على عدم الاعتراف بشرعيةِ النقابات التي أسسها النظام الحاكم وقتها والعمل على النضال المدني لبناء نقاباتٍ وأجسامٍ مهنيةٍ حقيقة تعبر عن القواعد وهو ما جعلها تتقارب في تحالفاتٍ نقابية بشكل أفقي.
بداية التأسيس
بداياتِ تأسيس تجمع المهنيين كانت في العام 2012 وتواصلت بمنحنى تصاعداً ونزولاً حتى العام 2016 تزامناً مع بدء إضرابات الأطباء وبدأت الاتصالات والتنسيق بين الاجسام النقابية والمهنية وعلى رأسها ” لجنة أطباء السودان المركزية والتحالف الديمقراطي للمحامين وشبكة الصحفيين ” بناءً على أسس التضامن النقابي، تولى المحامون الدفاع عن الأطباء الذين تعرضوا للإعتقال وقام الصحفيون بالتغطيةِ الإعلامية للإضرابات وقضايا الأطباء، وعلى ضوء ذلك عُقد أولى إجتماعات ممثلي هذه الأجسام لتطوير آليات العمل وطرح خياراتِ قيام تحالف نقابي، استمرت النقاشات حتى 2017 ولكنها لم تنجح في هذه المرحلة ، ومع بداية 2018 انضمت للأجسام الثلاثة لجنة المعلمين ومن ثم رابطة الأطباء البيطريين الديمقراطيين، وتوافقوا على تكليف سكرتارية تمهيدية من الأجسام الخمسة بغرض صياغة ميثاق للتحالف الجديد ولائحة منظمة لأعماله والتواصل مع أي أجسام مهنية أخرى، وخلال الفترة من يناير وحتى يوليو 2018م، ساهمت السكرتارية التمهيدية بصورة أساسية في تأسيس تجمع أساتذة الجامعات، و استطاعت أن تضم للتحالف كل من مبادرة استعادة نقابة المهندسين ونقابة أطباء السودان الشرعية، وتم تطوير ميثاق حدد الأهداف المشتركة ولائحة تنظيمية داخلية صاغت الهياكل وطورت خطة عمل تفصيلية للتجمع لمدة عام كامل.
الدور السياسي والنقابي
بدأ الدور النقابي والسياسي لتجمع المهنيين عقب الإعلان عن التجمع في يوليو 2018م والعمل على تنفيذ خطته التي خاطبت القضايا المهنية و في مقدمتها قضية الأجور، حيث تم إعداد دراسة ضافية حول وضع الأجور في السودان، وأثناء تنفيذ ذلك اشتعلت أولى شراراتِ ثورة ديسمبر ورسمت مساراً مختلفاً للتجمع.
بعد إعلان تجمع المهنيين عن حشد جماهيري أمام البرلمان للضغط في سبيل رفع الحد الأدنى للأجور، كان الحراك الجماهيري قد بلغ مداه وتم حرق دار المؤتمر الوطني في عطبرة في 19 ديسمبر ليقرر التجمع تحويل البوصلة نحو دعم وتعزيز الحراك الجماهيري ،ليمثل أول دعوة من تجمع المهنيين لتظاهرة جماهيرية في سبيل إسقاط النظام.
إعلان الحرية والتغيير
لعب تجمع المهنيين السودانيين دوراً سياسياً مهماً خلال فترة وجيزة بإعلان الحرية والتغيير إعتماداً على إعلان الحرية والكرامة الذي أطلقته مبادرة (حراك) في بداية 2018م، عبر ضمان توقيع الكتل المعارضة الأساسية على الإعلان ليتم إطلاقه في بداية يناير، ليشكل إعلان مبادئ للثورة و تشكيل القيادة التنسيقية، وانخرطت جميع القوى بالعمل تحت إطار إعلان الحرية والتغيير لاسيما مع النجاح منقطع النظير لموكبي التجمع في 25 و31 ديسمبر2018.
بناء تحالف نقابي
منتصر أبو زيد عضو تجمع الحرفيين والعمال السودانيين قال: لم أسمع عن تجمع المهنيين السودانيين في سنةٍ 2012 كحركةٍ نقابيةٍ منظمة أو مهيكلةٍ ولها منصة واضحة، وإنما كان هناك كيانات نقابية قبل ذلك التأريخ ومنها مثلاً التحالف الديمقراطي للمحامين الذي تأسس في 1997 ولجنة نواب الاختصاصيين 2010، وأشار : كانت رؤيتي لتجمع المهنيين أنه كيان نقابي يحظى بالثقةِ من خلال إعلانه عن موقفهِ من الأجور عبر كياناتهِ التي بنت نفسها على أساسٍ مطلبي ولها علاقة وثيقة بقضاياها المهنية والإيمان بإتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 .
وأضاف أبوزيد: الظروف السياسية التي نشأت فيها كيانات تجمع المهنيين كانت وحتى الآن لاتؤمن بحرية التنظيم النقابي، لذلك كان البنيان مشوهاً بعض الشيئ حيث لم تتوفر مثلاً كشوفات عضوية وكل عمليات المسار النقابي تتم بسرية ما دعى المنضوين تحت التجمع للعمل على إعلان سياسي يشرك الجماهير والأحزاب والمجتمع المدني لمقاومةِ نظام الإنقاذ المخلوع، شغلها ذلك عن البناء النقابي وغرقت في العمل السياسي، ومناقشة قضايا أبعد عن العمل النقابي مثل “العلمانية” ولم تناقش قضايا مثل تدخل لجنة التفكيك في العمل النقابي، و اضاف : بعد الانقسام بدأ التجمع التنسيق وبناء التحالفات داخل الحركة العمالية، وهي خطوة ممتازة، حال تم بنيان هذا التحالف من شكل تنسيقي إلى شكل تنظيمي ستتكون أكبر كتلة نقابية تحمي الحركة النقابية التي بدورها تحمي الانتقال والديمقراطية.
بداية الأزمة
بدأت الأزمة الداخلية بتجمع المهنيين تأخذ شكلها المتصاعد منذ حادثة إكتشاف التسريبات الصوتية لمجموعة من أعضاء التجمع المنتمين للحزب الشيوعي السوداني، حيث كشفت عن تنسيق بينهم في المواقف المختلفة داخل التجمع على أساس إنتمائهم للحزب، وليس لتنظيماتهم المهنية، خرجت التسريبات للعلن إبان فترة الحراك السري قبل سقوط البشير، ومن المرجح أن التسريب تم عبر جهاز الأمن بعد أن اعتقل أحد الأعضاء ووجد التسجيلات الصوتية في هاتفه.
ولكن ذلك لم يفجر الأوضاع كليا داخل التجمع، واستطاع أن يستمر موحداً لأكثر من عام عقب الحادثة إلا أنها كانت محورية في التآكل التدريجي للثقة بين الأعضاء.
أخذت الأزمة منحى مختلف في 10 مايو 2020 حيث طرحت رؤية سياسية وفشل المجتمعون في التوصل لإتفاقٍ لتأجيل الانتخابات على الرغم من أن بناء التجمع قائم على أساس أفقي وتوافقي، وطُرح خيار بالتمثيل المتساوي في سكرتاريةِ التجمع ولم ينجح هذا الخيار الذي طرح كحدٍ أدنى، وهو ما أدى إلى الانقسام الشهير .
الإنقسام
المتحدث باسم تجمع المهنيين الريح محمد الصادق قال : في عرف التحالفات النقابية الناشئة في العهود الشمولية يتم إختيار قيادة العمل التنفيذية بالتوافق بين مكونات عبر الوصول لحد ادنى وليس انتخابات، يعتبر إجراء الإنتخابات قفز على تراتبية الإجراءات الطبيعية، وأضاف : لم يقدم خطاب دورة وميزانية أو تقديم تقارير مكاتب لأهم مرحلة من مراحل التجمع والثورة بأكملها إضافةً لإصرار البعض على قيام انتخابات قبل إنقضاء دورة السكرتارية (2018 يوليو-2020يوليو) ولم تكتمل مراجعة اللوائح المنظمة للعمل بتفصيل المهام وتوضيحها للمكاتب المستحدثة في الهيكل التنظيمي المجاز، مشيراً إلى أنه لم يتم تطوير ميثاق التجمع ليتجاوز التحديات التي مر بها في مراحلهِ المختلفة واللائحة الإنتخابية لم تحظى بزمن كافي للنقاش لإجازتها والإطلاع عليها.
النهوض مجدداً
عضو تجمع المهنيين السودانيين ولجنة المختبرات الطبية المركزية هيفاء فاروق يعقوب ذكرت أن التجمع قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021 استنهض قواه القاعدية عبر تفعيل شبكة التنسيق بين الأجسام المهنية داخل وخارج التجمع وخلق أكبر كتلة عمالية رافضة للانقضاض على مسار التحول الديمقراطي ودعم تفكيك نظام 30 يونيو 1989 وعلى هذا الأساس تم تدشين حملة “الردة مستحيلة ” بدءً من سبتمبر 2021 وانتظم العمال من القطاعات المختلفة في مواكب سلميةٍ هادرة انتهت أمام مقر لجنة التفكيك، وبعد 25 أكتوبر واجه قيادات تجمع المهنيين انتهاكاتٍ إنسانية عدةٍ تمظهرت في الاعتقال ومحاولاتِ الاغتيال والفصل عن العمل والنقل التعسفي والملاحقات الأمنية إلى جانب حملات تشويه السمعةِ المنظمة كل هذهِ الإجراءات كانت متوقعة لوضع التجمع في زاوية الحصار المجتمعي، مضيفةً : سرعان ما استنهض التجمع قواه مجدداً عبر التخطيط ومواجهة التمدد لسلطة الانقلاب واستمرارهِ والارتداد عن مكتسبات ثورة ديمسبر المجيدة .