الخرطوم – انتقال
تداولت صحفٌ ومواقع إلكترونية، خبراً عن لقاء وفد حزب الأمة القومي – الذي غادر مطلع الأسبوع الجاري إلى العاصمةِ المصرية القاهرة – بمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الأسبق في نظام المؤتمر الوطني المحلول “صلاح عبد الله قوش”. وبحسب تفاصيل الخبر الذي انتشر بكثافة، فإن اللقاء كان أثناء زيارة الوفد لرئيس حزب المؤتمر السوداني السابق إبراهيم الشيخ الذي كان يستشفي بجمهوريةِ مصر العربية. ووفقاً للخبر الذي تم نفيه لاحقاً من حزب الأمة القومي، فإن الأوضاع في البلاد كانت محور الحديث بين وفد الأمة وقوش.
زيارة وفد حزب الأمة القومي وهيئة شؤون الأنصار إلى القاهرة، جاءت بدعوة رسمية من الحكومة المصرية في 15 أكتوبر الجاري، وضم رئيس الحزب المكلف اللواء “م” فضل الله برمة، والأمين العام لهيئة شؤون الأنصار وعبد المحمود أبّو، ونائبي الرئيس الفريق صديق محمد إسماعيل ومريم الصادق المهدي، والأمين العام للحزب الواثق البرير، ورئيس المكتب السياسي الدكتور محمد المهدي حسن.
نفي الخبر
الأمانة العامة لحزب الأمة القومي عبر دائرةِ الإعلام، أصدرت تصريحاً صحفياً، نفت فيه الخبر تماماً، وجاء فيه: “راج في بعض وسائل التواصل الاجتماعي خبر مفبرك مفاده أن وفد الأمة القومي التقى السيد صلاح قوش بمنزل السيد إبراهيم الشيخ بالقاهرة، مع العلم أن السيد إبراهيم نفسه غادر القاهرة، ونوضح للرأي عدم صحة هذه الأخبار المفبركة التي تهدف إلى التشويش على أهداف الزيارة المعلنة مُسبقاً، ونؤكد أن الوفد ليس في أجندته لقاء أي طرف من النظام البائد، نطالب المنصات الإعلامية بتحري الدقة في نقل الأخبار من مصادرها”.
الموقف المصري تجاه السودان
أكد رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي المصباح أحمد محمد لـ “انتقال”، أن الدعوة لزيارة قيادات الحزب إلى جمهورية مصر العربية، قُدّمت منذ شهر يونيو الماضي، ولكن فضّلت قيادة الحزب تأجيلها إلى أكتوبر الحالي، نسبةً للظروف السياسية ومسارات المقاومة السلمية لإسقاط وانهاء الانقلاب في البلاد. وطلب الحزب ذلك بشكلٍ رسمي من الجانب المصري. وتقديراً للالتزام بتلبية الدعوة غادر الوفد للزيارة التزاماً بما تعهد به؛ لأن الحزب هو من طلب التأجيل لهذا التوقيت وتمت مناقشات داخلية حول تأجيلها مجدداً؛ لكن قيادة الحزب قررت الزيارة، وأضاف: “أهداف الزيارة معلنة، وهي في إطار التعاون بين الشعبين السوداني والمصري، وبحث سبل التعاون المستقبلي، وكيفية دعمها، وفي تقديري أن الإدارة المصرية وصلت لقناعة بأن دعم الحكومات الديكتاتورية في السودان غير مُجْدٍ، ولذلك اتجهت للتواصل مع مكونات المجتمع السوداني بُغية ترميم العلاقة بشكل جديد يلبي تطلعات الشعب السوداني، ونعتقد أنها تريد أن تفتح صفحةً جديدة مع مكونات المجتمع السوداني والقوى السياسية، لا سيما وأن البعثة الدبلوماسية المصرية في الخرطوم تواصلت مؤخراً مع معظم المكونات المدنية وعلى رأسها قوى الحرية والتغيير”.
وأشار المصباح إلى أن موقف الإدارة المصرية قد بدأ في التغيّر تجاه السودان بالتواصل مع القوى السياسية الفاعلة والداعية للانتقال الديمقراطي، بدلاً عن التواصل عبر أجهزة المخابرات في عهد الأنظمة الشمولية، وهو توجه جديد في التعامل مع القوى السياسية وفق مصلحة الشعب السوداني، وهو ما تم ذكره في لقاءٍ سابق للوفد المصري الذي التقى قيادات الحزب في الخرطوم، وتم نصحهم بأهمية النظر بموضوعية لتطلعات السودانيين. ومن المرجح أنهم غيروا آلياتهم السابقة في هذا الجانب، ذاكراً: “هناك لقاءات سابقة تمّت حتى في حياة الراحل الإمام الصادق المهدي وهذا الموقف يأتي في سياق تطوير التفاهمات”.
منصات النظام البائد وشائعة قوش
وعن الأخبار التي تحدثت عن لقاء قيادات حزب الأمة القومي، بمدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق صلاح قوش، أوضح أن هناك تياراً داخل منسوبي النظام البائد يدعم صلاح قوش، وأراد تسويقه بهذه الشائعات لكونه يتبنى توجهاتٍ لإيجاد صلاتٍ مع القوى السياسية في البلاد؛ وأضاف: “ومن خلال رصدنا لمصدر الخبر الكاذب وجدنا أنه صدر أولاً عبر منصاتٍ للنظام البائد، وغرضها معروف التشويش على الزيارة، وأراد هذا التيار داخل الإسلاميين ترميز صلاح قوش باستغلال هذه الزيارة، ومعروف تطلعات هذا التيار لأداء دور في المشهد السياسي بطرق مختلفة ومحاولاته التأثير على الوضع الراهن في السودان”.
القرار الوطني والتعاطي مع الإقليم
ونفي المصباح أحمد محمد، أن تكون هناك أي أجندةٍ سياسية تتعلق بالعملية السياسية الجارية في السودان خلال هذه الزيارة، ولكن أيضاً هذا لن يغيب عن النقاشات خلال الزيارة، وأضاف: “لكن موقف حزب الأمة القومي واضح تماماً ومعلن من خلال الرؤية السياسية المعلنة من قوى الحرية والتغيير لإنهاء الانقلاب، وكذلك موقفه المعلن عبر مؤسساته”، مؤكداً أن حزب الأمة القومي يتعاطى مع المحيط الإقليمي والدولي في إطار ما يُحقّق مصالح الشعب السوداني وعدم رهن القرار الوطني للخارج والبحث مع شركائه السياسيين في قوى الحرية والتغيير عن علاقاتٍ دولية متوازنة دون فتح أي مجال للتأثيرات الخارجية على البلاد. وأضاف: “حزب الأمة القومي يعمل لأجل تحقيق التحول المدني الديمقراطي التزاماً بقرارات مؤسسات الحزب ورؤية قوى الحرية والتغيير، ويدعم آليات إنهاء الانقلاب المعلنة في الرؤية السياسية للحرية والتغيير والحراك الجماهيري، وتعمل كوادر الحزب بفاعلية في الحراك الجماهيري ومواقفنا واضحة ومعلنة”.
فشل الرؤية المصرية
المحلل السياسي، والكاتب الصحفي، سليمان خالد وصف لـ “انتقال” الموقف المصري بأنه ظل داعماً للسلطة الانقلابية منذ 25 أكتوبر 2021م، وأشار إلى أن القاهرة هي إحدى العواصم التي أوت الإسلاميين عقب سقوط نظام المؤتمر الوطني المحلول، ومعظم قياداته المؤثرة تقيم في الأراضي المصرية، كما أنها ظلت تؤدي دوراً سلبياً لصالح الانقلاب بمحاولاتٍ لصنع حاضنةٍ سياسية له عندما جمعت مجموعاتٍ من أحزاب اتحادية وحزب البعث السوداني وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل وبعض الشخصياتِ المرتبطة بالنظام المخلوع، لكن مساعيها هذهِ فشلت تماماً، وحتى تسويقها للانقلاب – والحديث ما زال لخالد – في المحيط الدولي والإقليمي فشل، لأن قراءة المسؤولين المصريين المختصين بالملف السوداني كانت خاطئة تماماً وقراءتهم للواقع لم تكن صحيحة، مضيفاً: “بعد فشل هذه المحاولات لم يصبح أمام الإدارة المصرية من خيار سوى لقاء القوى السياسية في تحالف الحرية والتغيير مثل لقاء لجنة الاتصال والعلاقات الخارجية بالسفير المصري المصري في الخرطوم سبتمبر الماضي، وبدء صفحة جديدة”، مشيراً إلى أن التحالف الذي حاول قائد الجيش عبد الفتاح البرهان تسويقه أيضاً مع الإدارة المصرية هو تحالف هش لمن كانوا مع النظام المخلوع، وهو تحالف متناقض في أهدافه وتوجهاته ومصالحه خلافاً لتحالف قوى الحرية والتغيير المتماسك سياسياً والمتسق تماماً مع أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي ويحظى بقبول لدى الشارع السوداني، وهو الأقرب للجماهير لذلك لم يعد للإدارة المصرية من خيار سوى تغيير طريقة تعاملها مع الشأن السوداني.
المصالح الاستراتيجية
وأوضح سليمان خالد أن “ما يحرك مصر هو مصالحها الاستراتيجية، بمنع وجود قواعد عسكرية في البحر الأحمر، وذلك يشمل القاعدة الروسية وحتى محاولات دولٍ خليجية من بينها الإمارات العربية المتحدة السيطرة على الموانئ السودان، وهو موقف يمثل الرؤية التي تتبناها قوى الحرية والتغيير أيضاً منذ انطلاق ثورة ديسمبر المجيدة، وبالتالي فإن الإدارة المصرية اتخذت مواقفها الأخيرة حتى لا تفقد العلاقات الاستراتيجية مستقبلاً مع السودان”، مضيفاً: “مصر تتخوف أيضاً من المد الديمقراطي الذي انتظم السودان وتطلعات شعبه، أن تنعكس على الداخل المصري، حيث أن النظام الحاكم فيه هو نظام قابض، ولكن أيضاً مهم للإدارة المصرية أن يكون جوارها آمناً وهادئاً حتى لا يؤثر عليها لذلك أعتقد أنها غيرت تصوراتها حول السودان تماماً”.