رأي

سرديات قاتلة

حمّور زيادة

طالب القائد العام لانقلاب ٢٥ أكتوبر، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، المجتمع الدولي وبريطانيا، بحثّ الأطراف السودانية لإنجاز تسوية واستعادة المسار الديموقراطي.

لعلّ المبعوث البريطاني للسودان روبرت فيرويذر، شعر بالحيرة وهو يسمع هذا الكلام. ربما شعر أن موظفي الخارجية البريطانية قد ارتكبوا خطأ ما؛ فقد دبروا له مقابلة مع قيادي سياسي ديموقراطي، لا مع العسكري الذي أنجز الانقلاب، وقطع المسار الديموقراطي.

خلال زيارته للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، أجرت وكالة رويترز مقابلة مع البرهان، عرّفته فيها بوصفه: “البرهان، الذي أخرج عملية الانتقال السياسي عن مسارها قبل ١١ شهراً”.

هكذا ينظر العالم لما يُصِرُّ قائد الانقلاب ومن يؤيدونه، على تسميته “تصحيح مسار الثورة”، وإعادتها من “مُختطفيها” لـ”أصحابها الأصليين”.

رغم ذلك يُصِرُّ قائد الانقلاب على تكرار سرديّته التي أثبتت خطلها. إنه راغب في التحول الديموقراطي، لكن اختلافات المدنيين أجبرته على فض الشراكة مع الحرية والتغيير، للحفاظ على “التغيير”. ففي سردية الانقلابيين ليس هناك “ثورة”، إنما “تغيير”. وهذا التغيير كما قال الناظر تِرك، في خطبة مُصوَّرة أيام إغلاق الشرق، قام به الجيش، وتنازل الفريق أول عوض بن عوف عن منصبه نزولاً عند رغبة الجماهير التي أتت بالبرهان. وفي سياق ذات السردية المُغايرة يقول قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إن من كانوا يعملون للتغيير هم السيد مبارك الفاضل، نائب رئيس الوزراء في حكومة البشير قبل الأخيرة، وإشراقة سيد محمود وزيرة العمل في نظام البشير. أما قادة الحرية والتغيير، فلم يظهروا ولم يُعرفوا إلا بعد الثورة!

كل تاريخ المعارضة السودانية منذ التجمّع الوطني الديموقراطي، حتى لحظة اندلاع ثورة ديسمبر، لا مكان له في هذه السردية.

فهناك جماهير، يُرمز لها أحياناً بالشباب، وهناك جيش. وعلى الهامش سياسيون مثل مبارك الفاضل وإشراقة سيد. لذلك فالجيش هو صاحب الشرعية، وهو من يعطي الأحزاب حق الحكم أو يحرمهم إياه إذا أزعجه خطاب محمد الفكي سليمان وخالد عمر يوسف.

هذه السردية التي تصطدم برفض الشارع، ومواكبه، وأرتالٍ الشهداء، والذاكرة الحية للثورة والثوار، تصطدم أيضاً بالرفض الدولي. لكنَّ الانقلابيِّينَ وهم يطلقون الرصاص على الرفض الأول، يتساءلون في دهشة بليدة عن الرفض الثاني؛ فيذهب البرهان إلى الأمم المتحدة ليُطالب العالم باستئناف المساعدات للسودان. وينزعج وزير المالية د. جبريل إبراهيم من توقّف المساعدات، ويقول إنها يجب أن تستمر بمعزل عن الحال السياسي.

ولا يكلف انقلابيٌّ نفسَه لحظة تفكُّر ليُحمَّل انقلابه المسؤولية. إنما يستسهلون دمغ المجتمع الدولي، والسفراء، والإعلام العالمي، ومبعوث الأمم المتحدة، وكل من ينتقدهم، بأنهم تابعون للحرية والتغيير.

ففي سردية الانقلابيين يتآمر العالم على تغييرهم عبر دعم الحرية والتغيير.

هذه السردية لا تستطيع أن تنجو، ولا أن تستجلب الدعم الدولي إلا عبر مزيد من الدم والقمع.

وهو غالباً ما سيهزمها، طال الزمن أو قصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى